المنطقة الشرقية _ الكون بزنس
استنادًا إلى تصريحات معالي أمين المنطقة الشرقية المهندس فهد الجبير
بقلم: عاطف بن علي الأسود
المستشار الأعلى المتخصص في اقتصاديات الصحة ومحاسبة البيئة للاستثمار
في خضم الحراك التنموي الشامل الذي تعيشه المملكة العربية السعودية، تبرز جزيرة دارين وتاروت كواحدة من المواقع الواعدة التي دخلت بقوة إلى خارطة التحول الوطني. فمنذ إعلان سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – عن إنشاء مؤسسة تطوير جزيرة دارين وتاروت في نوفمبر 2022، بدأت ملامح مشروع استراتيجي وطني تتشكل، يستهدف تحويل الجزيرة إلى نموذج تنموي متكامل يعكس عمق التاريخ ويتناغم مع تطلعات المستقبل.
وفي هذا الإطار، جاءت تصريحات معالي أمين المنطقة الشرقية، المهندس فهد بن محمد الجبير، لصحيفة “صُبرة”، لتسلط الضوء على مسار العمل الجاري، وتؤكد أن مستقبل الجزيرة ليس فقط طموحًا، بل “واعد جداً”، حسب تعبيره، نتيجة لما يتم العمل عليه من ترتيبات واستراتيجيات تحت إشراف المؤسسة المختصة.
رؤية تنموية عميقة
من خلال التصريح، نستشف أن مشروع تطوير الجزيرة لا يتم بشكل ارتجالي، بل يتم بناء استراتيجية متكاملة تتأسس على معايير عالية الجودة، تشمل الجوانب التراثية، البيئية، والسياحية، مع رؤية متسقة لرفع جودة الحياة وتحقيق تنوع اقتصادي مستدام.
تصريحات الجبير حملت وضوحًا مؤسسيًا مهمًا حين أشار إلى أن المؤسسة هي الجهة المرجعية الوحيدة للتخطيط والتطوير، فيما سيكون دور الأمانة لاحقًا تنفيذيًا بعد اعتماد الاستراتيجية وآلياتها. هذا التوزيع في الأدوار يُظهر نضجًا في إدارة المشاريع التنموية الكبرى، ويحد من ازدواجية الصلاحيات، وهو توجه مهم لضمان الاتساق والكفاءة في التنفيذ.

مكافحة الشائعات وتأكيد الحقائق
وقد تطرق معالي الأمين إلى ما تم تداوله مؤخرًا من شائعات ومعلومات غير دقيقة – بما فيها خرائط مزعومة تشير إلى تجميد تراخيص البناء أو إزالة الملكيات – مؤكدًا أن هذه الادعاءات لا علاقة لها بالرؤية الرسمية، وأن الصورة الكاملة ستتضح للمواطنين بعد اعتماد الاستراتيجية.
تأكيده جاء في توقيت بالغ الأهمية، حيث تسهم الشفافية في تعزيز الثقة المجتمعية، خاصة في مشاريع كبرى تمس حياة السكان ومصالحهم المباشرة. دعوته الصريحة بعدم التفاعل مع الشائعات تعكس حرصًا على ضبط إيقاع الرأي العام وفق المعلومة الصحيحة، وضمان أن تكون قنوات التواصل الرسمية هي المصدر الأساس لكل ما يتعلق بمستقبل الجزيرة.
توجه عمراني جديد
من بين أبرز ما جاء في تصريح معاليه، إعلانه أن المنطقة الصناعية في الجزيرة سيتم نقلها بالكامل، وإعادة ترتيب المناطق السكنية وفق معايير تخطيطية جديدة. هذا يعكس تحولًا نوعيًا نحو تنمية عمرانية حديثة ومستدامة، تأخذ بعين الاعتبار التوازن بين البيئة والإنسان، وتخدم التوجه نحو جزيرة متكاملة وظيفيًا واقتصاديًا وسياحيًا.
وفي مجال محاسبة البيئة والاستثمار المستدام، فإن إعادة توزيع الأنشطة داخل النطاق الجغرافي للجزيرة يُعد من أدوات تصحيح التلوث البيئي المحلي، وتقليل الأثر الكربوني، وإعادة إحياء السواحل والمناطق الحساسة بيئيًا، خصوصًا في ظل الإعلان عن إنشاء أكبر غابة مانجروف على ضفاف الخليج العربي ضمن المبادرات البيئية المرتقبة.
عائد اقتصادي ومجتمعي كبير
تشير بيانات المؤسسة إلى أن المشروع من المتوقع أن يسهم بـ297 مليون ريال سنويًا في الناتج المحلي الإجمالي، ويستهدف جذب 1.36 مليون سائح بحلول عام 2030، إلى جانب خلق آلاف فرص العمل، وتحويل الجزيرة إلى محور جذب استثماري وسياحي وثقافي.
وبتخصيص ما يقارب 48% من مساحة الجزيرة للمرافق العامة والواجهات البحرية والحدائق، فإن التحول يتجاوز الجانب العمراني، ليصل إلى تحسين نمط الحياة، ورفع مستوى الصحة العامة، وخفض معدلات التلوث النفسي والاجتماعي من خلال خلق بيئة معيشية متوازنة وصحية.

تاريخٌ يُستعاد.. بمستقبلٍ يُبنى
تاريخ جزيرة دارين وتاروت، الممتد لأكثر من 5000 عام، لم يكن غائبًا عن رؤية التطوير، بل هو مرتكز أساسي في الاستراتيجية. من تطوير قلعة ومطار دارين كمواقع تراثية وسياحية، إلى إنشاء مسارات للمشاة تمر بالمناطق الأثرية، فإن المشروع يحترم خصوصية المكان، ويستثمر في الإرث الحضاري ليكون منصة لانطلاقة اقتصادية وثقافية معاصرة.
ختاماً ، تصريحات معالي المهندس فهد الجبير لم تكن مجرد بيان توضيحي، بل جاءت كرسالة طمأنة وتأكيد على أن مستقبل جزيرة دارين وتاروت محكوم برؤية مؤسسية شاملة، قيد البناء بعناية، بعيدًا عن الفوضى والمعلومات المغلوطة.
نحن أمام نموذج جديد للتنمية المحلية، يربط بين التخطيط الدقيق، والاستثمار الواعي، والاعتبار الحقيقي لقيمة الإنسان والمكان. جزيرة دارين وتاروت، بتاريخها العميق ومكانتها الاستراتيجية، في طريقها لأن تكون منارة وطنية للتنمية المستدامة الشاملة، تخدم الأجيال الحالية والقادمة