عبدالله السيهاتي أيقونة الكرم والجود!
بقلم: محمد العيسى
الكرم صفة إنسانية رفيعة لا ترتبط بثراء المرء أو فقره، بل تنبع من عمق إنسانيته وشعوره بالآخرين. وهو ليس مجرد بذلٍ للمال، بل عطاءٌ يمتد إلى كل ما يضفي على الحياة معنًى، سواء كان ذلك في صورة علم، أو وقت، أو جهد، أو حتى كلمة طيبة تُزيل الألم عن قلب إنسان.
ومن بين الشخصيات التي جسّدت الكرم في أبهى صوره، يبرز اسم عبدالله السيهاتي، كرجلٍ جعل الجود عنوانًا لحياته، حتى صار رمزًا يُضرب به المثل في البذل والعطاء، ويتجلى ذلك في كثير من أعماله الخيرية، لا سيما خلال مناسبة السحور الجماعي التي ينظمها سنويًا في منزله العامر بمدينة سيهات، والتي تحولت إلى تقليد يجمع القلوب على مائدة الخير والمحبة.
لطالما تساءل الفلاسفة عن طبيعة الكرم، وهل هو صفة يولد بها الإنسان أم يكتسبها مع الزمن؟ والحقيقة أن الكرم يبدو مزيجًا من الأمرين معًا؛ فهناك من يولدون بنفوس سخية لا تبخل حتى بابتسامة، وهناك من يكتسبون صفة الجود بفعل التربية والتجربة الحياتية. لكن القاسم المشترك بين جميع الكرماء هو شعورهم العميق بالمسؤولية تجاه المجتمع، واستشعارهم لأهمية التكاتف والتراحم.

الوجيه عبدالله السيهاتي لم يكن مجرد رجلٍ ثري يُنفق من فائض ماله، بل كان مثالًا على من يدرك أن المال وسيلة لتحقيق الخير، وأن العطاء لا يقتصر على المادة، بل يشمل تقديم المعرفة، وخلق الفرص، ومد يد العون لمن يحتاجها. لم يكن كرمه من باب التباهي، بل كان جزءًا أصيلًا من رؤيته للحياة، حيث يرى أن النجاح الحقيقي يكمن في أثر الإنسان في حياة الآخرين. قد يخلط البعض بين الكرم والتبذير، وبين العطاء غير المحدود والفوضى المالية التي تضر بصاحبها ومن حوله. لكن الكرم في جوهره حكمةٌ وتوازن، وهو ما جسّده السيهاتي في كل خطوة من خطواته. فقد كان كريمًا بذكاء، يعرف متى يعطي، ولمن يعطي، وبأي مقدار، فالكرم الحقّ لا يُقاس بالكَمِّ، بل بالتأثير والقدرة على إحداث فرقٍ حقيقي في حياة الآخرين.
لم يكن الكرم في شخصية الوجيه السيهاتي مجرد عادة، بل كان امتثالًا لمبدأ أصيل في الإسلام، حيث يقول الله تعالى:
"لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ" (آل عمران: 92). فالعطاء لا يكون عن فضلٍ وزيادة فقط، بل عن إحساسٍ بالواجب الإنساني والروحي!
ولنا في رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم القدوة الحسنة، فقد كان أجود الناس، لا يردّ محتاجًا، ولا يترك صاحب طلب دون إجابة. وهكذا كان السيهاتي، يمدّ يده للفقير، يدعم الشباب في مشاريعهم، ويسهم في بناء مجتمعٍ أكثر تماسكًا، لا من أجل الشهرة أو الثناء، بل لأن العطاء كان جزءًا من هويته.

قد يُحسن الفرد إلى شخصٍ واحد، لكنّ الأثر الحقيقي للكرم يظهر عندما يُصبح العطاء منظومةً تمتد عبر الأجيال. لم يكن السيهاتي ممن يكتفون بالمساعدات الفردية، بل سعى إلى بناء بيئة تُشجّع على العطاء المستدام. فقد أدرك أن الخير لا يكمن فقط في سدّ حاجة آنية، بل في تمكين الناس من الاعتماد على أنفسهم. ومن هنا، نجد أن الكرم الحقيقي لا يتوقف عند منح المال، بل يشمل توفير التعليم، وخلق الفرص الوظيفية، وإقامة المشروعات التي تخدم المجتمع بأكمله. إنه استثمارٌ في الإنسان، لا مجرد إعانةٍ لحظيةٍ قد تزول مع الزمن.
لم يكن الوجيه عبدالله السيهاتي مجرد رجلٍ معطاء، بل كان نموذجًا يُحتذى به في تحويل الكرم إلى أسلوب حياة. لقد علّمنا أن الجود ليس حكرًا على الأثرياء، بل هو صفةٌ يمكن أن يتحلى بها كل إنسان، وفقًا لما يملك من قدراتٍ وإمكانات. فحتى الكلمة الطيبة والوقت الذي يُمنح للآخرين هو شكلٌ من أشكال الكرم.
و يبقى السؤال: هل نحن مستعدون لجعل العطاء نهجًا يوميًا في حياتنا؟ هل ندرك أن الكرم ليس رفاهية، بل ضرورة إنسانية تجعل الحياة أكثر دفئًا ومعنًى؟
ربما تكون الإجابة في أفعالنا، لا في كلماتنا، حين نبدأ بممارسة الجود في أبسط تفاصيل يومنا