كتب: عاطف بن علي الأسود
مختص في علوم الاقتصاد الصحي – جامعة شيفيلد، المملكة المتحدة
sir.atif@hotmail.com
المنطقة الشرقية – الكون بزنس
يُعَدُّ الاقتصاد الصحي من أهم فروع الاقتصاد الحديث التي تلامس حياة الأفراد والمجتمعات بشكل مباشر، حيث يُعنى هذا التخصص بدراسة كيفية تخصيص الموارد الصحية بكفاءة لتحقيق أفضل النتائج الصحية الممكنة.
ويشمل ذلك توفير الرعاية الصحية، تعزيز الوقاية من الأمراض، وتحسين جودة الحياة، مما ينعكس إيجابًا على الفرد والمجتمع في آنٍ واحد. تحسين جودة الحياة والنمو الاقتصادي يُسهم الاقتصاد الصحي في تحسين جودة حياة الأفراد من خلال ضمان الوصول إلى رعاية صحية ميسورة وفعالة. فحين يتمتع المواطنون بصحة جيدة، يصبحون أكثر قدرة على الإنتاج والعمل والمشاركة المجتمعية، مما يعزز من إنتاجية القوى العاملة، ويسهم في دعم النمو الاقتصادي.
كما أن التركيز على الوقاية والرعاية الصحية المبكرة يساهم في تقليل تكاليف العلاج طويل الأمد، لا سيما في ما يتعلق بالأمراض المزمنة.
التجربة السعودية: نحو نظام صحي أكثر كفاءة في المملكة العربية السعودية، يُعتبر الاقتصاد الصحي اليوم من الركائز الأساسية لتطوير النظام الصحي الوطني.
فقد ساهمت المبادرات الحكومية في تعزيز الوصول إلى الخدمات الصحية لجميع المواطنين والمقيمين، مع التركيز على رفع جودة الرعاية وتعزيز الاستدامة.
كما أن الاستثمار في التوعية والممارسات الوقائية أدى إلى تخفيف الضغط على المستشفيات، والحد من تفشي الأمراض، مما يُعدّ نموذجًا ناجحًا في تحقيق التوازن بين الصحة والاقتصاد.
أبعاد الاقتصاد الصحي عالميًا يتجاوز مفهوم الاقتصاد الصحي الحدود الوطنية ليشمل العالم بأسره، حيث يُعد أحد أهم الأدوات لتحليل النظم الصحية عالميًا. ويهتم بدراسة تكاليف الخدمات الصحية، توزيع الموارد، وتمويل الأنظمة الصحية. تختلف سياسات التمويل من بلد لآخر، فبينما تعتمد بعض الدول على التمويل العام عبر الضرائب، تلجأ أخرى إلى التأمين الصحي الخاص، مما يطرح تحديات تتعلق بالعدالة والكفاءة في تقديم الرعاية الصحية نحو عدالة صحية شاملة يشكّل الاقتصاد الصحي العالمي ركيزة لتحقيق العدالة الصحية، من خلال ضمان الوصول المتساوي للرعاية في مختلف دول العالم، وخاصة في الدول النامية أو التي تعاني من ضعف البنية التحتية الصحية.
ويأتي ذلك ضمن جهود مستمرة لمواجهة التحولات الصحية العالمية، مثل تزايد الأمراض المزمنة (كأمراض القلب والسرطان) وعودة بعض الأمراض المعدية، والتي تفرض تحديات مالية ومؤسسية ضخمة على الأنظمة الصحية. الأوبئة والتأثيرات الاقتصادية لقد كشفت جائحة “كوفيد-19” بشكل جلي عن العلاقة العميقة بين الصحة والاقتصاد.
فقد تسببت الإجراءات الاحترازية في توقف العديد من الأنشطة الاقتصادية، وأظهرت الحاجة الملحة إلى بناء أنظمة صحية مرنة وقادرة على التكيف مع الأزمات. وأصبح من الضروري تحليل تأثير السياسات الصحية على النمو الاقتصادي، ووضع استراتيجيات استباقية للتعامل مع الأوبئة المستقبلية. الابتكار والتكنولوجيا في خدمة الصحة يشهد العالم اليوم تطورًا هائلًا في التكنولوجيا الصحية، بدءًا من الطب الرقمي والذكاء الاصطناعي، وصولًا إلى العلاجات المتقدمة للأمراض المستعصية. وقد ساهم هذا التطور في رفع كفاءة الخدمات الصحية، وتوسيع نطاق التغطية العلاجية، وتحسين نتائج الرعاية الصحية على مستوى الأفراد والمجتمعات. الرؤية السعودية والسياسات الاستراتيجية تعمل حكومة المملكة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد، على دعم الاقتصاد الصحي من خلال تبنّي سياسات صحية مدروسة تستند إلى المعايير الدولية، وتستفيد من خبرات المنظمات العالمية. ويأتي ذلك ضمن رؤية استراتيجية تهدف إلى تحقيق التوازن بين تحسين صحة السكان وتعزيز التنمية الاقتصادية، بما يواكب التحديات الصحية العالمية المعقدة. خلاصة الاقتصاد الصحي ليس مجرد تخصّص أكاديمي أو مجال بحثي، بل هو أداة استراتيجية لتحسين حياة الأفراد وبناء مجتمعات أكثر استقرارًا وازدهارًا. ومن خلال السياسات المتوازنة والاستثمارات المستدامة، يمكن للدول أن تحقق أهدافها الصحية والاقتصادية في آنٍ واحد.